انتÙاضة الودارنة
(1915-1916)
تعد اهم Øركة ÙلاØية ÙÙŠ تاريخ
تونس المعاصر بالرغم من عملية التعتيم الشديد التي استهدÙتها Ùˆ لا
سيما من قبل سلطة الØماية . Ùˆ يكون من المÙيد هنا الاشارة الى ما يلي
:
1-ندرة الدراسات التي عالجت
خلÙيات هذه الانتÙاضة Ùˆ مقدماتها Ùˆ اطوارها Ùˆ نتائجها.
2-تركيز الكتابات القليلة التي
تناولتها على العوامل الخارجية بوصÙها السبب الرئيسي لاندلاعها
(Ø£Ùكار الجامعة الاسلامية –دعاية الاتراك Ùˆ الالمان).
3-طول المدة الزمنية التي
استغرقتها (اكثر من سنتين) Ùˆ اتساع مجالها الجغراÙÙŠ (جزء هام من الجنوب
الشرقي للبلاد) Ùˆ اهمية الخسائر البشرية ÙÙŠ صÙو٠الطرÙين
المتقابلين(Ùاقت عديد المئات ÙÙŠ صÙو٠الجيش الÙرنسي Ùˆ القوات
النظامية Ùˆ الالا٠ÙÙŠ صÙو٠الودارنة).
أسباب الانتÙاضة
شدة وطأة الجهاز السياسي
’الاداري Ùˆ العسكري الذي تم تركيزه بأقصى الجنوب منذ 1888 على قبائل
الودارنة (اهم هذه القبائل أولاد دباب’أولاد شهيدة’العمارنة) . ذلك
ان المستعمر اجتهد ÙÙŠ تدمير المؤسسة القبلية لما كانت تشكله من خطر Ùˆ
عمد الى سلب أنصا٠البدو الودارنة كل العناصر و المناشط التي كانوا
يستمدون منها وجاهتهم الاجتماعية (نزع سلاØهم,ØÙ„ مؤسسة
الميعاد,ابطال العمل بجل السوال٠و الاعرا٠القبليةاقرار تقسيم
اداري جديد كبل القبائل الكبيرة Ùˆ شل Øركتها) .
كما عمد الى تسويتهم بمØميهم
القدامى عديمي Ø§Ù„Ø±ÙˆØ Ø§Ù„Ùروسية Ùˆ الجاه. Ùˆ يشار هنا الى أن ترسانة
القوانين التي أتت عللى أسس الØياة القبلية قد استصدرت ÙÙŠ Ùاصل زمني
قصير Ùˆ ما درى صانعوها ان تعمدهم قلب الاوضاع على Ù†ØÙˆ سريع قد يترتب
عليه ردة Ùعل قوية يصعب التنبؤ بعواقبها.
-نضوب الموارد التقليدية
للودارنة ذلك ان هذه القبائل كانت تÙرض Ùتوات على سكان القرى الجبلية
لقاء Øمايتها Ùˆ Øماية ممتلكاتها. Ùˆ على اثر الاØتلال وضع الÙرنسيون
Øدا لتلك الممارسة التي كانت تدخل ÙÙŠ نطاق التكامل بين المستقرين Ùˆ
أنصا٠البادية. Ùˆ ترتب عن ذلك تÙقير أبرز الÙرق الجبلية لاولاد دباب Ùˆ
أولاد شهيدة Ùˆ العجاردة . Ùˆ كان الجبالية يوÙرون سنويا ما قيمته 30000 Ùرنك
من أسير البدوية.
-كما ساهم تمركزالاØتلال
باقصى الجنوب ÙÙŠ انقطاع الموارد الاضاÙية للقبائل نص٠البدوية Ùˆ من
ذلك تقلص عمليات الاغارة و السعي (و كانت القبائل البدوية تستمد منها
وجاهتها الاجتماعية). اض٠الى ذلك ما سجل من نقص ÙÙŠ عمليات التهريب عبر
الØدود الجنوبية الشرقية. ثم ان Ùتور Øركة القواÙÙ„ التجارية عبر
الصØراء قد انعكس سلبا على الودارنة باعتبار أنهم تخصصوا ÙÙŠ Ø®Ùر
القواÙÙ„ (تأمين سلامتها Ùˆ توجيهها للطريق السليم) التي كانت تمر
بمساراتهم نظير Ùتوات معتبرة. Ùˆ لقد ترتب على عملية ترسيم الØدود مع
ليبيا (ماي 1910) تقلص اخر ÙÙŠ موارد الودارنة,باعتبار أن Ùرسانهم كانوا
يؤمنون الØماية لقسم هام من سكان القرى البربرية لجبل ناÙوسة لقاء
أعطيات سنوية هامة.
-أصداء هزيمة الايطاليين
الكبيرة ÙÙŠ ليبيا ÙÙŠ نهاية 1914 Ùˆ خلال المنتص٠الثاني لعام 1915( لا سيما ÙÙŠ
منطقة الجبل الغربي المتاخمة Ù„Øدود تونس Ùˆ مجالات الودارنة بصÙØ© خاصة
) ,ÙÙŠ اقصى الجنوب التونسي Ùˆ جلائهم الى المنطقة الساØلية Ùˆ استغلال
الامبراطورية العثمانية Ùˆ المانيا تلك الهزيمة لتبث القلاقل ÙÙŠ
المستعمرة التونسية عبر الدعاية المركزة Ùˆ تØريض السكان على الثورة
(تØمس الودارنة لنداء الجهاد الصادر عن السلطان العثماني خليÙØ©
المسلمين ).وقد نهض لهذه المهمة Ù†Ùر من الضباط Ùˆ الخبراء العسكريين
الاتراك الذين نزلوا بليبيا ÙÙŠ صي٠1915.
-المجهود التØريضي الذي قام به
المقاوم الليبي خليÙØ© بن عسكر Ùˆ الذي Ø§ØµØ¨Ø ÙÙŠ جويلية 1915 سيد غربي ناÙوسة
بعد طرد الايطاليين من نالوت (Ùˆ ما نجم عن ذلك من Ùوضى Ùˆ انÙلات الامن
على الØدود). Ùˆ من نتائج ØØ« ابن عسكر الودارنة على الثورة التØاق مئات
من الرجال بصÙÙˆÙ Øركته منذ أوائل أوت 1915.
ان ما عددنا من هذه المقدمات و
الاسباب من شانه ان يدÙع الى تسجيل ما يلي:
أولا ,اقتصار هذه الØركة
المسلØØ© على قبائل الودارنة دون سواها من قبائل الجنوب,Ùالدعاية
Ù„ØµØ§Ù„Ø Ø§Ù„Ø¬Ù‡Ø§Ø¯ لم تشمل أجوارهم من قبائل ورغمة.
ثانيا,ان دعاة الانتÙاضة Ùˆ
المØرضين عليها كانوا من كبار أعيان الودارنة , سعيد بن عبد اللطيÙ,
الزعيم الاول كان عضو ÙÙŠ الجمعية الشورية ,أما شقيقه علي بن عبداللطيÙ
Ùكان يشغل خطة شيخ أولاد دباب.
Ùˆ تدÙعنا هذه الملاØظة الى
التساؤل عن الدواÙع الكامنة وراء تزعمهم الانتÙاضة:
-هل كانوا Øقا يعيشون على نبض
التبدلات التي زعزعت استقرارالواقع الاجتماعي القبلي و كانت بالتالي
وراء تÙكيرهم, ام انهم كانوا يعتبرون ان الاستعمار أوصد ÙÙŠ وجوههم
مدارج الرقي?
-ألم ترÙض السلطة العسكرية
مطلب سعيد بن عبد اللطي٠بتولية كهاية الودارنة لا لشيء سوى أنها قررت
الاعتماد على الجبالية ?
أطوارالانتÙاضة
تندرج الØرب التي أعلنها
الودارنة على الÙرنسيين ضمن ما يعر٠بØرب العصابات Ùˆ يجدر التنبيه
هنا الى ان هذا الاسلوب كان أنسب أشكال المقاومة المسلØØ© ÙÙŠ تلك
الظرو٠لانعدام التوازن ÙÙŠ ميزان القوى Ùˆ الوسائل بين الطرÙين
المتقابلين.
شهد خري٠1915 و اوائل صي٠1916 أهم
الوقائع بين Ùرسان الودارنة المدعومين Ø£Øيانا من قبل خليÙØ© بن عسكر Ùˆ
القوات الÙرنسية التي بلغ عددها 5000 جندي بعد وصول تعزيزات هامة
للمنطقة.
انطلقت المناوشات الاولى ÙÙŠ
بداية سبتمبر 1915 Ùˆ شهد هذا الشهر وقوع عدة Ø£Øداث هامة مثل واقعة جبل عÙÙŠÙØ©
ÙÙŠ 14 سبتمر.
و تعتبر واقعة ذهيبة (16-20 سبتمبر)
التي جمعت أكثر من 2500 Ùارس من الودارنة مدعومين بقوات الجيش الÙرنسي
منعرجا هاما ÙÙŠ وقائع هذه الانتÙاضة . على اثر تواتر الهجومات التي
استهدÙت المواقع الÙرنسية ,قررت القيادة العسكرية ÙÙŠ 6 سبتمبر
الانسØاب من مركز بئر بستور بجيش بارÙنكير Ùˆ شهدت نهاية سبتمبر وقوع
معركة رمثة 25 سبتمبر . و بالرغم من ضراوة هجوم الودارنة على ثكنة رمثة
,Ùان الØامية العسكرية استطاعت الصمود بعد وصول الامدادات من تطاوين
ÙÙŠ اليوم الموالي.
و لعل معركة أم صويخ من أهم
وقائع 1915 Ùˆ أشهرها Ùقد دام Øصار الØصن الÙرنسي من 2 الى 9 أكتوبر, Ùˆ شارك ÙÙŠ
هذه العملية زهاء 3000 مقاتل كانوا تØت قيادة زعماء الانتÙاضة من أولاد
دباب الى جانب خليÙØ© بن عسكر. ÙÙÙŠ 9 أكتوبر Ù†Ø¬Ø Ø§Ù„Ø¬ÙŠØ´ الÙرنسي ÙÙŠ كسر
الطوق الذي Ùرض عليه ثم ÙÙƒ الØصار. Ùˆ قد لقيا سعيد بن عبد اللطي٠و علي بن
عبد اللطي٠مصرعهما خلال هده العملية.
جدد الودارنة العهد مع
هجماتهم على الجيش الÙرنسي منذ أوائل جوان 1916 Ùˆ سيشهد هذا الشهر ثلاث
معارك هامة : ذهيبة(20-25جوان),رمادة(26-27 جوان) و بئر مغري(30 جوان).
و بالرغم من ضراوة هذه
الهجومات ,Ùان المهاجمين Ùشلوا ÙÙŠ اقتØام التØصينات الÙرنسية Ùˆ لا
سيما الطيران Ùقد تم قص٠مواقع الثائرين لا سيما –بلدان نالوت- التي
شكلت قاعدة انطلاق المتمردين. على اثر هذاالÙشل Ø¬Ù†Ø Ø§Ù„Ù…Ù†ØªÙضون الى
نصب الكمائن Ùˆ اعتراض سبل الجيش الÙرنسي. اذ شهد النصÙالثاني لسنة 1916 Ùˆ
كامل عامي 1917-1918 تواتر الغارات الخاطÙØ© Ùˆ عمليات الانقضاض الجريئة (على
هيأة زمر سريعة الØركة) بين 10 Ùˆ 20 Ùارس. Ùˆ قد استهدÙت هذه الغارات قواÙÙ„
الجيش الÙرنسي Ùˆ عربات البريد Ùˆ القواÙÙ„ التجارية Ùˆ قطعان الماشية. Ùˆ
ينبغي الاشارة هنا الى الÙظاعات التي اقترÙها الجيش الÙرنسي Ùˆ خاصة
بجهة تطاوين بدعوى مقاومة المÙسدين Ùˆ قطع دابر الÙوضى,اذ تم هدم
القصور(مخازن جماعية على هيأة طوابق من الغر٠المشيدة من الØجارة Ùˆ
الجبس) و نهب ثرواتها و اجتثاث الاشجار و مصادرة قطعان الماشية. و لم
تتورع الجيوش الÙرنسية ÙÙŠ اعدام الاسرى رميا بالرصاص. كما انتصب
بمدنين مجلس Øرب Ùˆ أصدر 49 Øكما بالاعدام ما بين 1916-1917 , Ùˆ دائما ÙÙŠ اطار هذه
الاجراءات الانتقامية صدر عن الباي ما بين 1915 و منتص٠1916 ما لا يقل عن 1682
أمرا نصت على استعÙاء عقارات القبائل الثائرة التي اخذت طريق الهجرة
الى القطر المجاور(من أولاد شهيدة).
لماذا أخÙقت الانتÙاضة?
أولا,طغيان الارتجال على
استعدادات الودارنة القتالية Ùˆ على مبادراتهم الاولى, Ùˆ تكÙÙŠ الاشارة
الى ان انطلاق العمليات الØربية الاولى تم دون تنسيق Ùˆ تبصر بسبب
انعدام قيادة موØدة اذ قام عمر الابيض بشن الهجوم على مركز رمثة دون
علم ØÙ„Ùائه من أولاد دباب. Ùˆ قد نبه هذا العمل المرتجل الÙرنسيين الى
خطورة الوضع ÙÙŠ الوقت المناسب, Ùˆ ÙÙŠ المقابل أدخل البلبلة ÙÙŠ صÙو٠بقية
زعماء القبائل الثائرة.
ثانيا,انعدام التوازن بين
القوتين المتقابلتين اذ جمعت المعارك جيشا نظاميا عصريا مزودا بأØدث
الاسلØØ© يرÙده سند لوجستي هام,بجماعات من الÙرسان البدو لم يكن لديهم
تصور ÙˆØ§Ø¶Ø Ù„Ù„Ø¹Ù…Ù„ÙŠØ§Øª Ùضلا عن انهم لم يوÙقوا ÙÙŠ تطويع الامكانيات
المتوÙرة لديهم (على تواضعها) مع طبوغراÙيا المنطقة الØدودية Ùˆ
مناخها المناسب لا سيما خلال معارك صي٠1916.
ثالثا,شعورالثقة المÙرط ÙÙŠ صدق
نوايا الاتراك Ùˆ الالمان الذي كان ÙŠØدو الودارنة أثناء كامل مراØÙ„
عملية التØضير للانتÙاضة. Ùˆ نشير هنا الى انه بعد خيبة أمل الودارنة ÙÙŠ
الاتراك والالمان عام 1915 صدم هؤلاء بعد جوان 1916 بقرار خليÙØ© بن عسكر
توقيع Ø§Ù„ØµÙ„Ø Ù…Ø¹ Ùرنسا Ùˆ التزامه بمنع الثائرين الودارنة من القيام
بهجوماتهم انطلاقا من التراب الليبي.
رابعا,Ø§Ù„Ù†Ø¬Ø§Ø Ø§Ù„Ù†Ø³Ø¨ÙŠ للسلطة
العسكرية الÙرنسية ÙÙŠ عزل المنتÙضين Ùˆ تطويق هذا التØرك من خلال دعاية
مضادة مركزة من ناØية,وتقديم ضروب من المساعدات للقبائل التي لم
تنخرط ÙÙŠ الØركة من ناØية اخرى. Ùˆ ÙŠÙيدنا Ù…Øمد المرزوقي ÙÙŠ كتابه –دماء
على الØدود- ان أجوار الثائرين من القبائل لم يتÙاعلوا مع Øركتهم Ùˆ
اعتبروهم بمثابة قطاع الطرق.
نتائج الانتÙاضة
-نسبية الØديث عن –سلم Ùرنسية-
باقصى الجنوب التونسي قبل 1918.
-صعوبة انقياد القبائل
المرابطة على البثور الجنوبية للبلاد Ùˆ هذا ما دÙع السلطة العسكرية
الى مزيد المراقبة Ùˆ تكثيÙها.
-Ùˆ بناء على ما تقدم Ùان سلطة
الØماية عمدت الى التعجيل باصدار أمر 23 نوÙمبر 1918 الخاص بالتخصيص ÙÙŠ
المجال العقاري بالنسبة لقبائل أقصى الجنوب ÙÙŠ Ù…Øاولة لتكريس ما
دأبت عليه منذ اوائل القرن من جهود لتقويض ركائز المؤسسة القبلية
الاهلية.
كما يتجلى من خلال خلÙيات هذه
الØركة Ùˆ اطوارها أنه لم تتبلور عند القائمين عليها رؤية واضØØ© Ùˆ
برنامج او خطة عمل معينة Ùˆ بالتالي اÙتقار هذه الانتÙاضة الى
بدائل.
-بوسعنا القول ÙÙŠ هذا الصدد أن
ما ØµØ±Ø Ø¨Ù‡ أنطوني غرامشي بشأن ÙلاØÙŠ الجنوب الايطالي ÙÙŠ العشرينات
يصدق الى Øد كبير على جل الØركات الÙلاØية ÙÙŠ Øوض البØر المتوسط Øين
ذاك,اذ أكد أنهم (اي الÙلاØين) ÙÙŠ Øالة غليان مستمر Ùˆ لكنهم كجماهير
عاجزون عن التعبير عن تطلعاتهم Ùˆ Øاجاتهم بكيÙية مركزة.
- لم ÙŠØشد الÙرنسيون ÙÙŠ تونس
اكثر من 15000 جندي Ùˆ ضابط ص٠و 350 ضابط عن مختل٠الاسلØØ© للتصدي Ù„Øركة مقاومة
ÙÙŠ مكان معين مثلما Ùعلوا ذلك سنة 1915 بغرض سØÙ‚ انتÙاضة الودارنة. كما
اننا لا نعر٠Øركة مسلØØ© أوقعت ÙÙŠ الÙرنسيين Øسب مصادرهم 478 بين قتيل Ùˆ
Ù…Ùقود (من بينهم 22 ضابط) Ùˆ 264 جريØا Ùˆ 1548 ضØية بسبب الاوبئة Ùˆ الامراض Ùˆ بذلك
يكون مجموع قتيلي الجانب الÙرنسي 2266 رجل.
-جاء ÙÙŠ الوثائق الÙرنسية أن
Øوادث الجنوب التونسي آنذاك شكلت جبهة من جبهات الØرب العالمية
الاولى لا تقل أهمية عن بقية
جبهات الØرب Ùˆ هي شهادة تؤكد مدى خطورة تلك الØركة المسلØØ©. |